بسم الله الرحمن الرحيم
كيف تنظر إلى غيرك؟
إنَّ مِنَ الناسِ مَنْ يَنظُرُ إلى غيره نظرةً مملوءةً بالشكِّ وسُوءِ الظنِّ وعَدَمِ التماسِ العُذْرِ للآخَرِينَ، فتَرَاه لا يَنظُرُ إلا إلى الجانبِ السيءِ فيهم، ويُضَخِّمُ الأخطاءَ التي عندَهُم ويُغْفِلُ الحسناتِ الموجودةَ فيهم..
إنَّ مَنْ يُعَاني مِنَ القَحْطِ والجَدْبِ الرُّوحيِّ والخُلُقيِّ إذا رأى مائةَ حسنةٍ من إنسان وسيئةً واحدةً، أغفل المائةَ حسنةٍ وقامَ بتضخيمِ السيئةِ الواحدةِ، واكتشفَ بأنَّهُ كان مخدوعاً به والآن عَرَفَهُ على حقيقتِهِ، وعَرَفَ أنَّ حسناتِه، لم تكنْ إلا للتغطيةِ على سيئاتِه!
ولا يستطيعُ أنْ يكونَ مُنْصِفاً ومُحْسِناً للظَّنِّ بغيرِهِ ويقول: إنَّ هذه السيئةَ ليست إلا زلةً غيرَ مقصودةٍ وهي مغمورةٌ في بحرِ حسناته..
إنَّ النظرةَ السليمةَ والإيجابيةَ للأشياءِ هي طريقُكَ إلى السعادةِ والفلاحِ، فحينَ تكونُ النفسُ سليمةً جميلةً ترى الأشياءَ بصورتِهَا الإيجابية، وتجعلُ من المِحَن مِنَحَاً وعطايا وفوائد عظيمة.
وحينَ يكونُ المعدنُ أصيلاً، والقلبُ صافياً سليماً، فلَنْ تجدَ مِنْ صاحبِهِ إلا خيراً عميماً، وفضلاً جسيماً..
وحين يكون الأصلُ الشريفُ معدوماً، والباطنُ خواءً فارغاً مذموماً، والإحساسُ بالجمال مفقوداً، فلا تنتظرْ إلا شراً مَهِيناً وضلالاً مبيناً.
إنَّ المؤمنَ لا يَظُنُّ بأخيه إلا خيراً، ولا يُفَسِّرُ تَصَرُّفَاتِ غيرِهِ إلا على أحسنِ المحاملِ، وكيفَ لا يكونُ حَسَنَ الظنِّ بغيره وهو يقرأُ قولَ الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}.
وهو يَسمَعُ قولَ النبيِّ عليه الصلاةُ والسلام: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ) متفق عليه.
فحتى ترتاحَ نفسُك، ويهدأَ ضميرُكَ، لا بُدَّ أنْ تكونَ واسعَ الصَّدْرِ، فأعقلُ الناسِ وأسعدُهُمْ هو أعذرُهُمْ للناس، وأبعدُهُمْ عَنِ العقلِ والحكمةِ هو أسرعُهُمْ لَوماً وأقلُّهم تحقُّقاً وتثبُّتاً فيما صَدَرَ عنهم.
فما أجملَ أنْ يَعْذُرَ بعضُنَا بعضاً، فأنتَ لا تَعلمُ ظُرُوفَ الآخَرِينَ الغائبةَ عنك، ولا تدري ما الذي قادَهُ إلى ذلك التصرُّفِ الذي لم يعجبْكَ.
فعِنْدَمَا تَجِدُ مِنْ أحدٍ خطأً أو موقفاً لا يليقُ فِعْلُهُ، فما عليكَ إلا أنْ تَلْتَمِسَ الأعذارَ له، فقد يكونُ هناك أسبابٌ لا تَعْرِفُهَا عنه جَعَلَتْهُ يتصرَّفُ ذلك التصرُّفَ..
وكيف لا يلتمسُ العاقلُ الأعذارَ لغيره، وهو يعلمُ أنَّ الناسَ مطبوعونَ على الضَّعْفِ والتقصيرِ، وهو لا يَرَى الكمالَ في نفسِهِ، فكيفَ يرجو الكمالَ ويطلبُهُ منهم؟
قال عمرُ بنُ الخطابِ: "لا تَظُنَّنَّ بكلمةٍ خَرَجَتْ مِنْ مسلمٍ شراً، وأنتَ تجدُ لها في الخيرِ مَحمَلاً".
إنَّ إحسانَ الظنِّ بالناسِ يحتاجُ إلى كثيرٍ من المجاهدةِ للنفسِ لِيَحْمِلَهَا على ذلك، فالشيطانُ يَجْرِي مِنَ الإِنسَانِ مَجْرَى الدَّم، ولا يَفْتُرُ ولا يَمَلُّ من التفريقِ بينَ المسلمينَ والتحريشِ بينهم والتحريضِ عليهم، وأهمُّ الأسبابِ التي تقطعُ الطريقَ على الشيطان: هو إحسانُ الظنِّ بالمسلمين.
قال بَكْرُ الـمُزَنيُّ: "إيَّاك مِنَ الكلام ما إنْ أصبتَ فيه لَم تُؤجَر، وإنْ أخطأتَ فيه أثِمْتَ، وهو سوءُ الظنِّ بأخيك".
وقال أبو قِلابةَ الجَرْمِي: "إذا بلغَكَ عن أخيكَ شيءٌ تَكْرَهُهُ، فالتمسْ لَهُ العُذْرَ جُهْدَكَ؛ فإنْ لم تجدْ له عُذْراً، فقل في نفسك: لعلَّ لأخي عُذْراً لا أعلَمُهُ".
إنَّ سوءَ الظنِّ بالآخرين إنما يَنشَأُ من: الغرورِ بالنفسِ والإعجابِ بها، والازدراءِ للغير وانتقاصِهِم، ومن هنا كانتْ أولُ معصيةٍ لله هي: معصيةُ إبليسَ، وأساسُها: الغُرُورُ والكِبْرُ حينَ قال: {أنا خيرٌ مِنه}
فطوبى لمن اشتغلَ بِعُيُوبِ نفسِهِ وإصلاحِهَا، وابتعدَ عَنِ النظرِ في عُيُوبِ غيرِهِ، فمن شَغَلَ نَفْسَهُ بعيوبه،لم يجدْ وقتاً ولا فِكْراً يَشْغَلُهُ في الناس وسوءِ الظن فيهم.
وقد نَهَى النبيُّ عن تَتَبُّعِ عَوْرَاتِ الناسِ فقال: (لا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ، يَتَّبِعُ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِه) رواه أبو داود وأحمد في المسند.
وذَكَرَ سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ رجلاً بسُوءٍ، عِنْدَ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَجَعَلَ إِيَاسُ يَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ ولا يَقُولُ شَيْئاً حَتَّى فَرَغَ، فَقَالَ له: أَغَزَوْتَ الدَّيْلَمَ؟ قال: لا. قَالَ: فَغَزَوْتَ السِّنْدَ؟ قال: لا. قَالَ: فَغَزَوْتَ الْهِنْدَ؟ قال: لا. قَالَ: فَغَزَوْتَ الرُّومَ؟ قال: لا. قَالَ إياس: (فَسَلِمَ مِنْكَ الدَّيْلَمُ وَالسِّنْدُ وَالْهِنْدُ وَالرُّومُ، وَلَيْسَ يَسْلَمُ مِنْكَ أَخُوكَ هَذَا) فَلَمْ يَعُدْ سُفْيَانُ إِلَى ذَلِكَ.
إنَّ المؤمنَ يُحِبُّ الخيرَ للناسِ جميعاً، ولا يرجو الخيرَ لنفسه فقط، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "إِنِّي لآتِي عَلَى الآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَوَدِدْتُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَعْلَمُونَ مِنْهَا مَا أَعْلَمُ مِنْهَا، وَإِنِّي لأَسْمَعُ بِالْحَاكِمِ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ يَعْدِلُ فِي حُكْمِهِ فَأَفْرَحُ بِهِ، وَلِعَلِّي لا أُقاضِي إِلَيْهِ أَبَداً، وَإِنِّي لأَسْمَعُ بِالْغَيْثِ قَدْ أَصَابَ الْبَلَدَ مِنْ بِلادِ المُسْلِمِينَ فَأَفْرَحُ، وَمَا لِي بِهِ مِنِ سَائِمَةٍ".
وهذا أبو دجانةَ، دخل عليه زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ في مرضه، ووجهُهُ يتَهَلَّلُ! فقال له: مَا لَكَ يَتَهَلَّلُ وَجْهُكَ؟
فقال: "مَا مِنْ عَمَلِ شَيْءٍ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنَ اثنَتَيْنِ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ لا أَتَكَلَّمُ فيمَا لا يَعْنِينِي، وَأَمَّا الأُخْرَى: فَكَانَ قَلْبِي لِلْمُسْلِمِينَ سَلِيماً".
وكَانَ الشيخ مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيُّ عَلَى الدِّجْلَةِ وَمَعَهُ أصحابه، إِذْ مَرَّ أَقْوَامٌ أَحْدَاثٌ فِي زَوْرَقٍ يُغَنُّونَ وَيَضْرِبُونَ بِالدُّفِّ، فقالوا لَهُ: يَا أَبَا مَحْفُوظٍ، أَمَا تَرَى هَؤُلاءِ فِي هَذَا الْبَحْرِ يَعْصُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، ادْعُ اللهَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: "إِلَهِي وَسَيِّدِي، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُفَرِّحَهُمْ فِي الآخِرَةِ، كَمَا فَرَّحْتَهُمْ فِي الدُّنْيَا"، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: "إِنَّا سَأَلْنَاكَ أَنْ تَدْعُوَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ نَسْأَلْكَ أَنْ تَدْعُوَ لَهُمْ، فقَالَ: (إِذَا فَرَّحَهُمْ فِي الآخِرَةِ تَابَ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَمْ يَضُرَّكُمْ شَيْءٌ".
إنَّ المؤمنَ العاقلَ ينظر إلى حسناتِ الناسِ وإيجابياتِهِم وينمِّيها، ولا يضخِّمُ سيئاتِهِم ويُغْفِلُ حسناتِهم، وقد ضَرَبَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام أروعَ الأمثلةِ في ذلك.
فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ فَأُتِيَ بِهِ يَوْماً فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إلا أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَ) رواه البخاري.
لقد قال عليه الصلاة والسلام عن ذلك العاصي لله: (لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إلا أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَه). فقد مَدَحَهُ وذَكَرَ صفةً عظيمةً وحميدةً له وهي (أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَه)، فالمعصيةُ لا تنافي أصلَ المحبةِ لله ورسولِهِ، ولكنها تنافي كمالَ المحبةِ لهما. فالعاصي لم يَخْرجْ عن الإيمانِ كلِّه، ولم يصبحْ عدواً لله ورسوله.
إنَّ بعضَ مَرْضَى القلوبِ إذا رأى سيئةً مِنْ غَيرِهِ يَقُومُ بالمُزَايدَةِ في التشنيعِ والإنكارِ عليه، يُرِيدُ أنْ يُظْهِرَ للناسِ كَمْ هُوَ وَرِعٌ وتَقِيٌّ، وقد يتجاوزُ ويَبْتَعِدُ بِتَصَرُّفِهِ عن أدنى التقوى وعن أدنى حقوقِ الأُخُوَّة، وأنَّى للسِّبَابِ والشتائم والانتقاصِ من الآخرين أن تكون دِيناً يُتَقَرَّبُ بها إلى الله تعالى..
ومن الأمثلة الرفيعة التي يعلمنا فيها النبيُّ عليه الصلاة والسلام كيف نتعاملُ مع الآخرين، ما ذكره عَبَّادُ بْنُ شُرَحْبِيلَ حين قال: أَصَابَنَا عَامُ مَخْمَصَةٍ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَأَتَيْتُ حَائِطاً مِنْ حِيطَانِهَا (أي بستاناً)، فَأَخَذْتُ سُنْبُلاً فَفَرَكْتُهُ فَأَكَلْتُهُ، وَجَعَلْتُهُ فِي كِسَائِي، فَجَاءَ صَاحِبُ الْحَائِطِ، فَضَرَبَنِي وَأَخَذَ ثَوْبِي، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ لِلرَّجُلِ: (مَا عَلَّمْتَهُ إِذْ كَانَ جَاهِلاً، ولا أَطْعَمْتَهُ إِذْ كَانَ جَائِعاً أَوْ سَاغِباً)، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ، فَرَدَّ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ، وَأَمَرَ لَهُ بِوَسْقٍ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ نِصْفِ وَسْقٍ. رواه النسائي وابن ماجه، وأحمد في المسند، والبيهقي في السنن الكبرى.
فقَدْ أرشَدَ عليه الصلاةُ والسلامُ هذا الذي سُرِقَ منه أنْ يَنْظُرَ في حاجةِ هذا السارقِ، فهو لم يسرقْ إلا عن حاجةٍ وجهل، فقال عليه الصلاة والسلام لمن سُرِقَ منه: (مَا عَلَّمْتَهُ إِذْ كَانَ جَاهِلاً، ولا أَطْعَمْتَهُ إِذْ كَانَ جَائِعاً) ثم أمَرَ النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ بطعامٍ إلى ذلك الذي سَرَق عن فَقْرٍ وحاجةٍ وأعطاه إياه..
إنَّ الشريعةَ الإسلاميةَ تَهْتَمُّ بالحقوقِ قَبْلَ الحُدُودِ، فقَبْلَ تطبيقِ الحُدُودِ على الناس، لا بدَّ مِنْ أداءِ الحقوقِ إليهم، ولهذا أوقفَ عمرُ بنُ الخطابِ إقامةَ حدِّ السرقَةِ في عامِ الرَّمَادَةِ حين عمَّتِ المجاعةُ، لأنَّ السارقَ قد يكونُ مُضطَراً، والحدودُ تُدْرَأُ بالشبهاتِ.
ولم يقطعْ عمرُ بنُ الخطابِ كذلكَ عِنْدَمَا سَرَقَ غِلْمَانٌ لحاطبِ بنِ أبي بَلْتَعَة ناقةً لرجلٍ من مُزَيْنَةَ، فقَدْ أمَرَ بِقَطْعِ يَدِهِمْ في بدايةِ الأمرِ، ولكنْ حينَ تبيَّنَ له أنَّ سيِّدَّهم هو الذي كان يُجِيعُهُم، دَرَأَ عنهمُ الحدَّ، وغرَّمَ سيِّدَّهم ضِعْفَ ثمنِ الناقةِ تأديباً له.
وهكذا تَظْهَرُ عَظَمَةُ هذا الدينِ الإسلاميِّ، إنه دينٌ يَكْفُلُ الحقوقَ ويُراعي احتياجاتِ الناس، ويُحَقِّقُ مصالحَهُم، ويُسْعِدُهُم في الدنيا والآخرة.
لقد كانَ النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ يَنْظُرُ إلى جوانِبِ التميُّزِ في أصحابِهِ، فيُنَمِّيهَا ويُبَارِكُهَا، فقد قال لأحَدِ أصحابِه : (إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ، الْحِلْمُ وَالأَنَاة) رواه مسلم.
وفي زيادة عند أبي داود: فقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا؟ أَمِ اللهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: (بَلِ اللهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا). فقَالَ: (الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ، يُحِبُّهُمَا اللهُ وَرَسُولُهُ).
وقَالَ عليه الصلاةُ والسلامُ عن الصحابيِّ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي الله عنهما: (نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ) فَكَانَ عبدُ اللهِ بنُ عمرَ بعد ذلك لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلا قَلِيلا) متفق عليه.
وقال لأبي موسى: (لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْمَعُ قِرَاَءَتَكَ الْبَارِحَةَ، لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ). متفق عليه. وفي زيادة عند ابن حبان: فَقَالَ أبو موسى: لَوْ عَلِمْتُ مَكَانَكَ لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيراً).
هَكَذا كانَ عليه الصلاةُ والسلامُ يتعامَلُ مع أصحابِهِ، وهكذا يُعَلِّمُنَا كيفَ تكونُ الحِكْمةُ في التعامُلِ، وكيف تكونُ التربيةُ والتعليمُ..
كيف تنظر إلى غيرك؟
إنَّ مِنَ الناسِ مَنْ يَنظُرُ إلى غيره نظرةً مملوءةً بالشكِّ وسُوءِ الظنِّ وعَدَمِ التماسِ العُذْرِ للآخَرِينَ، فتَرَاه لا يَنظُرُ إلا إلى الجانبِ السيءِ فيهم، ويُضَخِّمُ الأخطاءَ التي عندَهُم ويُغْفِلُ الحسناتِ الموجودةَ فيهم..
إنَّ مَنْ يُعَاني مِنَ القَحْطِ والجَدْبِ الرُّوحيِّ والخُلُقيِّ إذا رأى مائةَ حسنةٍ من إنسان وسيئةً واحدةً، أغفل المائةَ حسنةٍ وقامَ بتضخيمِ السيئةِ الواحدةِ، واكتشفَ بأنَّهُ كان مخدوعاً به والآن عَرَفَهُ على حقيقتِهِ، وعَرَفَ أنَّ حسناتِه، لم تكنْ إلا للتغطيةِ على سيئاتِه!
ولا يستطيعُ أنْ يكونَ مُنْصِفاً ومُحْسِناً للظَّنِّ بغيرِهِ ويقول: إنَّ هذه السيئةَ ليست إلا زلةً غيرَ مقصودةٍ وهي مغمورةٌ في بحرِ حسناته..
إنَّ النظرةَ السليمةَ والإيجابيةَ للأشياءِ هي طريقُكَ إلى السعادةِ والفلاحِ، فحينَ تكونُ النفسُ سليمةً جميلةً ترى الأشياءَ بصورتِهَا الإيجابية، وتجعلُ من المِحَن مِنَحَاً وعطايا وفوائد عظيمة.
وحينَ يكونُ المعدنُ أصيلاً، والقلبُ صافياً سليماً، فلَنْ تجدَ مِنْ صاحبِهِ إلا خيراً عميماً، وفضلاً جسيماً..
وحين يكون الأصلُ الشريفُ معدوماً، والباطنُ خواءً فارغاً مذموماً، والإحساسُ بالجمال مفقوداً، فلا تنتظرْ إلا شراً مَهِيناً وضلالاً مبيناً.
إنَّ المؤمنَ لا يَظُنُّ بأخيه إلا خيراً، ولا يُفَسِّرُ تَصَرُّفَاتِ غيرِهِ إلا على أحسنِ المحاملِ، وكيفَ لا يكونُ حَسَنَ الظنِّ بغيره وهو يقرأُ قولَ الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}.
وهو يَسمَعُ قولَ النبيِّ عليه الصلاةُ والسلام: (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ) متفق عليه.
فحتى ترتاحَ نفسُك، ويهدأَ ضميرُكَ، لا بُدَّ أنْ تكونَ واسعَ الصَّدْرِ، فأعقلُ الناسِ وأسعدُهُمْ هو أعذرُهُمْ للناس، وأبعدُهُمْ عَنِ العقلِ والحكمةِ هو أسرعُهُمْ لَوماً وأقلُّهم تحقُّقاً وتثبُّتاً فيما صَدَرَ عنهم.
فما أجملَ أنْ يَعْذُرَ بعضُنَا بعضاً، فأنتَ لا تَعلمُ ظُرُوفَ الآخَرِينَ الغائبةَ عنك، ولا تدري ما الذي قادَهُ إلى ذلك التصرُّفِ الذي لم يعجبْكَ.
فعِنْدَمَا تَجِدُ مِنْ أحدٍ خطأً أو موقفاً لا يليقُ فِعْلُهُ، فما عليكَ إلا أنْ تَلْتَمِسَ الأعذارَ له، فقد يكونُ هناك أسبابٌ لا تَعْرِفُهَا عنه جَعَلَتْهُ يتصرَّفُ ذلك التصرُّفَ..
وكيف لا يلتمسُ العاقلُ الأعذارَ لغيره، وهو يعلمُ أنَّ الناسَ مطبوعونَ على الضَّعْفِ والتقصيرِ، وهو لا يَرَى الكمالَ في نفسِهِ، فكيفَ يرجو الكمالَ ويطلبُهُ منهم؟
قال عمرُ بنُ الخطابِ: "لا تَظُنَّنَّ بكلمةٍ خَرَجَتْ مِنْ مسلمٍ شراً، وأنتَ تجدُ لها في الخيرِ مَحمَلاً".
إنَّ إحسانَ الظنِّ بالناسِ يحتاجُ إلى كثيرٍ من المجاهدةِ للنفسِ لِيَحْمِلَهَا على ذلك، فالشيطانُ يَجْرِي مِنَ الإِنسَانِ مَجْرَى الدَّم، ولا يَفْتُرُ ولا يَمَلُّ من التفريقِ بينَ المسلمينَ والتحريشِ بينهم والتحريضِ عليهم، وأهمُّ الأسبابِ التي تقطعُ الطريقَ على الشيطان: هو إحسانُ الظنِّ بالمسلمين.
قال بَكْرُ الـمُزَنيُّ: "إيَّاك مِنَ الكلام ما إنْ أصبتَ فيه لَم تُؤجَر، وإنْ أخطأتَ فيه أثِمْتَ، وهو سوءُ الظنِّ بأخيك".
وقال أبو قِلابةَ الجَرْمِي: "إذا بلغَكَ عن أخيكَ شيءٌ تَكْرَهُهُ، فالتمسْ لَهُ العُذْرَ جُهْدَكَ؛ فإنْ لم تجدْ له عُذْراً، فقل في نفسك: لعلَّ لأخي عُذْراً لا أعلَمُهُ".
إنَّ سوءَ الظنِّ بالآخرين إنما يَنشَأُ من: الغرورِ بالنفسِ والإعجابِ بها، والازدراءِ للغير وانتقاصِهِم، ومن هنا كانتْ أولُ معصيةٍ لله هي: معصيةُ إبليسَ، وأساسُها: الغُرُورُ والكِبْرُ حينَ قال: {أنا خيرٌ مِنه}
فطوبى لمن اشتغلَ بِعُيُوبِ نفسِهِ وإصلاحِهَا، وابتعدَ عَنِ النظرِ في عُيُوبِ غيرِهِ، فمن شَغَلَ نَفْسَهُ بعيوبه،لم يجدْ وقتاً ولا فِكْراً يَشْغَلُهُ في الناس وسوءِ الظن فيهم.
وقد نَهَى النبيُّ عن تَتَبُّعِ عَوْرَاتِ الناسِ فقال: (لا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ، يَتَّبِعُ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِه) رواه أبو داود وأحمد في المسند.
وذَكَرَ سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ رجلاً بسُوءٍ، عِنْدَ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَجَعَلَ إِيَاسُ يَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ ولا يَقُولُ شَيْئاً حَتَّى فَرَغَ، فَقَالَ له: أَغَزَوْتَ الدَّيْلَمَ؟ قال: لا. قَالَ: فَغَزَوْتَ السِّنْدَ؟ قال: لا. قَالَ: فَغَزَوْتَ الْهِنْدَ؟ قال: لا. قَالَ: فَغَزَوْتَ الرُّومَ؟ قال: لا. قَالَ إياس: (فَسَلِمَ مِنْكَ الدَّيْلَمُ وَالسِّنْدُ وَالْهِنْدُ وَالرُّومُ، وَلَيْسَ يَسْلَمُ مِنْكَ أَخُوكَ هَذَا) فَلَمْ يَعُدْ سُفْيَانُ إِلَى ذَلِكَ.
إنَّ المؤمنَ يُحِبُّ الخيرَ للناسِ جميعاً، ولا يرجو الخيرَ لنفسه فقط، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "إِنِّي لآتِي عَلَى الآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَوَدِدْتُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَعْلَمُونَ مِنْهَا مَا أَعْلَمُ مِنْهَا، وَإِنِّي لأَسْمَعُ بِالْحَاكِمِ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ يَعْدِلُ فِي حُكْمِهِ فَأَفْرَحُ بِهِ، وَلِعَلِّي لا أُقاضِي إِلَيْهِ أَبَداً، وَإِنِّي لأَسْمَعُ بِالْغَيْثِ قَدْ أَصَابَ الْبَلَدَ مِنْ بِلادِ المُسْلِمِينَ فَأَفْرَحُ، وَمَا لِي بِهِ مِنِ سَائِمَةٍ".
وهذا أبو دجانةَ، دخل عليه زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ في مرضه، ووجهُهُ يتَهَلَّلُ! فقال له: مَا لَكَ يَتَهَلَّلُ وَجْهُكَ؟
فقال: "مَا مِنْ عَمَلِ شَيْءٍ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنَ اثنَتَيْنِ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ لا أَتَكَلَّمُ فيمَا لا يَعْنِينِي، وَأَمَّا الأُخْرَى: فَكَانَ قَلْبِي لِلْمُسْلِمِينَ سَلِيماً".
وكَانَ الشيخ مَعْرُوفٌ الْكَرْخِيُّ عَلَى الدِّجْلَةِ وَمَعَهُ أصحابه، إِذْ مَرَّ أَقْوَامٌ أَحْدَاثٌ فِي زَوْرَقٍ يُغَنُّونَ وَيَضْرِبُونَ بِالدُّفِّ، فقالوا لَهُ: يَا أَبَا مَحْفُوظٍ، أَمَا تَرَى هَؤُلاءِ فِي هَذَا الْبَحْرِ يَعْصُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، ادْعُ اللهَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: "إِلَهِي وَسَيِّدِي، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُفَرِّحَهُمْ فِي الآخِرَةِ، كَمَا فَرَّحْتَهُمْ فِي الدُّنْيَا"، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: "إِنَّا سَأَلْنَاكَ أَنْ تَدْعُوَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ نَسْأَلْكَ أَنْ تَدْعُوَ لَهُمْ، فقَالَ: (إِذَا فَرَّحَهُمْ فِي الآخِرَةِ تَابَ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَمْ يَضُرَّكُمْ شَيْءٌ".
إنَّ المؤمنَ العاقلَ ينظر إلى حسناتِ الناسِ وإيجابياتِهِم وينمِّيها، ولا يضخِّمُ سيئاتِهِم ويُغْفِلُ حسناتِهم، وقد ضَرَبَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام أروعَ الأمثلةِ في ذلك.
فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ فَأُتِيَ بِهِ يَوْماً فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إلا أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَ) رواه البخاري.
لقد قال عليه الصلاة والسلام عن ذلك العاصي لله: (لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إلا أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَه). فقد مَدَحَهُ وذَكَرَ صفةً عظيمةً وحميدةً له وهي (أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَه)، فالمعصيةُ لا تنافي أصلَ المحبةِ لله ورسولِهِ، ولكنها تنافي كمالَ المحبةِ لهما. فالعاصي لم يَخْرجْ عن الإيمانِ كلِّه، ولم يصبحْ عدواً لله ورسوله.
إنَّ بعضَ مَرْضَى القلوبِ إذا رأى سيئةً مِنْ غَيرِهِ يَقُومُ بالمُزَايدَةِ في التشنيعِ والإنكارِ عليه، يُرِيدُ أنْ يُظْهِرَ للناسِ كَمْ هُوَ وَرِعٌ وتَقِيٌّ، وقد يتجاوزُ ويَبْتَعِدُ بِتَصَرُّفِهِ عن أدنى التقوى وعن أدنى حقوقِ الأُخُوَّة، وأنَّى للسِّبَابِ والشتائم والانتقاصِ من الآخرين أن تكون دِيناً يُتَقَرَّبُ بها إلى الله تعالى..
ومن الأمثلة الرفيعة التي يعلمنا فيها النبيُّ عليه الصلاة والسلام كيف نتعاملُ مع الآخرين، ما ذكره عَبَّادُ بْنُ شُرَحْبِيلَ حين قال: أَصَابَنَا عَامُ مَخْمَصَةٍ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَأَتَيْتُ حَائِطاً مِنْ حِيطَانِهَا (أي بستاناً)، فَأَخَذْتُ سُنْبُلاً فَفَرَكْتُهُ فَأَكَلْتُهُ، وَجَعَلْتُهُ فِي كِسَائِي، فَجَاءَ صَاحِبُ الْحَائِطِ، فَضَرَبَنِي وَأَخَذَ ثَوْبِي، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ لِلرَّجُلِ: (مَا عَلَّمْتَهُ إِذْ كَانَ جَاهِلاً، ولا أَطْعَمْتَهُ إِذْ كَانَ جَائِعاً أَوْ سَاغِباً)، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ، فَرَدَّ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ، وَأَمَرَ لَهُ بِوَسْقٍ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ نِصْفِ وَسْقٍ. رواه النسائي وابن ماجه، وأحمد في المسند، والبيهقي في السنن الكبرى.
فقَدْ أرشَدَ عليه الصلاةُ والسلامُ هذا الذي سُرِقَ منه أنْ يَنْظُرَ في حاجةِ هذا السارقِ، فهو لم يسرقْ إلا عن حاجةٍ وجهل، فقال عليه الصلاة والسلام لمن سُرِقَ منه: (مَا عَلَّمْتَهُ إِذْ كَانَ جَاهِلاً، ولا أَطْعَمْتَهُ إِذْ كَانَ جَائِعاً) ثم أمَرَ النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ بطعامٍ إلى ذلك الذي سَرَق عن فَقْرٍ وحاجةٍ وأعطاه إياه..
إنَّ الشريعةَ الإسلاميةَ تَهْتَمُّ بالحقوقِ قَبْلَ الحُدُودِ، فقَبْلَ تطبيقِ الحُدُودِ على الناس، لا بدَّ مِنْ أداءِ الحقوقِ إليهم، ولهذا أوقفَ عمرُ بنُ الخطابِ إقامةَ حدِّ السرقَةِ في عامِ الرَّمَادَةِ حين عمَّتِ المجاعةُ، لأنَّ السارقَ قد يكونُ مُضطَراً، والحدودُ تُدْرَأُ بالشبهاتِ.
ولم يقطعْ عمرُ بنُ الخطابِ كذلكَ عِنْدَمَا سَرَقَ غِلْمَانٌ لحاطبِ بنِ أبي بَلْتَعَة ناقةً لرجلٍ من مُزَيْنَةَ، فقَدْ أمَرَ بِقَطْعِ يَدِهِمْ في بدايةِ الأمرِ، ولكنْ حينَ تبيَّنَ له أنَّ سيِّدَّهم هو الذي كان يُجِيعُهُم، دَرَأَ عنهمُ الحدَّ، وغرَّمَ سيِّدَّهم ضِعْفَ ثمنِ الناقةِ تأديباً له.
وهكذا تَظْهَرُ عَظَمَةُ هذا الدينِ الإسلاميِّ، إنه دينٌ يَكْفُلُ الحقوقَ ويُراعي احتياجاتِ الناس، ويُحَقِّقُ مصالحَهُم، ويُسْعِدُهُم في الدنيا والآخرة.
لقد كانَ النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ يَنْظُرُ إلى جوانِبِ التميُّزِ في أصحابِهِ، فيُنَمِّيهَا ويُبَارِكُهَا، فقد قال لأحَدِ أصحابِه : (إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ، الْحِلْمُ وَالأَنَاة) رواه مسلم.
وفي زيادة عند أبي داود: فقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا؟ أَمِ اللهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: (بَلِ اللهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا). فقَالَ: (الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ، يُحِبُّهُمَا اللهُ وَرَسُولُهُ).
وقَالَ عليه الصلاةُ والسلامُ عن الصحابيِّ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي الله عنهما: (نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ) فَكَانَ عبدُ اللهِ بنُ عمرَ بعد ذلك لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلا قَلِيلا) متفق عليه.
وقال لأبي موسى: (لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْمَعُ قِرَاَءَتَكَ الْبَارِحَةَ، لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ). متفق عليه. وفي زيادة عند ابن حبان: فَقَالَ أبو موسى: لَوْ عَلِمْتُ مَكَانَكَ لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيراً).
هَكَذا كانَ عليه الصلاةُ والسلامُ يتعامَلُ مع أصحابِهِ، وهكذا يُعَلِّمُنَا كيفَ تكونُ الحِكْمةُ في التعامُلِ، وكيف تكونُ التربيةُ والتعليمُ..
الإثنين نوفمبر 29, 2021 8:37 pm من طرف سي الهادى
» إن أرادني شريكة دربه سأكون لطريقه المنار
الإثنين نوفمبر 29, 2021 8:29 pm من طرف سي الهادى
» ليس الفعل بالكلام
الإثنين نوفمبر 29, 2021 8:21 pm من طرف سي الهادى
» مفهوم الأمية
الإثنين يناير 11, 2021 9:56 pm من طرف سي الهادى
» مد يديك لكل جميل..
الإثنين يناير 11, 2021 9:52 pm من طرف سي الهادى
» تعريف ومعنى الإيثار
الإثنين يناير 11, 2021 9:46 pm من طرف سي الهادى
» اغرب رجل على وجه الأرض
السبت يناير 02, 2021 9:23 pm من طرف سي خرالدين
» نصائح............
السبت يناير 02, 2021 9:18 pm من طرف سي خرالدين
» هل تعلمون بأي سنة هجرية نحن .
السبت يناير 02, 2021 12:08 am من طرف نهار هيفوف